ممدوح بن عبدالعزيز الــمـديــر
عدد الرسائل : 1657 العمل/الترفيه : السباحة المزاج : حار صيفاً ورايق شتاءً ادارة منتدى بنات واااو : احترام القوانين : تاريخ التسجيل : 03/01/2008
| موضوع: اكتمال العقل بالإيمان .. مزايا خفية الخميس أكتوبر 16, 2008 7:54 pm | |
| اكتمال العقل بالإيمان .. مزايا خفية
العقل والإيمان جناحا الفلاح ـ في هذه الحياة ـ ولا يعوض أحدهما نقص الآخر، وكل منهما نعمة توجب مداومة شكر الكريم الوهاب الذي هيأ أسبابها. فعقل بلا إيمان يمكن أن يوصل الإنسان ليسيح في الفضاء وينشغل بتربة القمر أو المريخ أو غيرهما حتى يهلك هنا أو هناك ـ غير مأسوف عليه ـ بينما إخوته في الإنسانية يموتون جوعاً. ولا يفهم من ذلك أننا ضد استكشاف ما يتيسر من الآفاق، أو ننكر أهمية الاستكشاف عن بُعد، لكن يجب أن يكون ذلك بعد القيام بواجبنا على الأرض، ولا يكون بهدف حماقات من نوعية ما يسمى بحرب النجوم! أو سفاهات وجهالات كمحاولة البحث عن موقع الله! (كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا)، وسبحانه وتعالى عما يقولون علواً كبيراً. وعقل بلا إيمان يجعل الإنسان يبدد النعم والثروات وينتج المواد الفتاكة والقنابل التي تكفي لنسف الكرة الأرضية عدة مرات، (وقد ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس). العقل يبدأ بالتعامل مع محيطة المحسوس فيعي ويدرك منه ما شاء الله له أن يدرك من الأمور والمسائل المادية والمعنوية. وحين يكون العقل سليماً غير مشوش فهو مهيأ بفطرته لاستشعار قوى ومؤثرات موازية غير مرئية ولكن آثارها موجودة وغير خافية. فلا يصعب على العقل السليم أن يؤمن بوجود حاكم ـ فوق عقل الإنسان ـ يُصرف الرياح، ويُكسب المادة طبيعتها، والزهرة رائحتها، ويهدي أعضاء الجسم لتأدية وظائفها دون أن يعي صاحبها، ويدير حركة النجوم في مداراتها، ويكور الليل على النهار، ويدبر النهاية المأساوية الحتمية جزاءً للظالمين، ويجعل الفوز المبين للصالحين، ويظهر الحق على الباطل ولو بعد حين. كل ذلك يحدث بقوى غير مرئية ولا تدرك بالحواس ولا بأي أجهزة مادية، لكن العقل السوي لا يستطيع الهروب من التفكر في عظمة وحكمة مصدر تلك القوى الحاكمة. والإيمان يتلخص في التسليم العقلي الواعي بوجود هذا الحاكم العلوي ـ الذي ليس كمثله شيء ـ وكلما تغذى العقل السليم بالعلم الصحيح كلما غمرته السعادة بالتعامل مع الفكر العلوي الحاكم لكل شيء، فما أسعد التلميذ المجتهد النابه بالاتصال بمعلمه الرحيم العظيم، ولله المثل الأعلى. والإيمان السطحي التقليدي الموروث ـ مع كسل العقل ـ والمعتقدات الخاطئة والفكر المشوش عن الله كل ذلك أوصل كثيراً من الناس إلى الخرافات وعبادة البشر والبقر والحجر والشمس والقمر والذهب والفضة، وفي أحسن الحالات يقد الإيمان التقليدي ـ الموروث والضيق ـ إلى الصوامع، ويؤدي إلى غياب القدوة التي تحمل مصابيح الهدى وتتحرك بين الناس لتنير لهم الطريق. وغياب التبصير يتيح الفرصة للشيطان وأعوانه ليعيثوا في الأرض فساداً ويُلبسوا على الناس فتختلط المفاهيم، فيرى عامةالناس أن الإنجازات الآلية ووسائل التجبر تأتي على أيدي الكفرة والملحدين فينبهر الناس ويفتنون، والسبب الأصلي هو تقصير مَن ينتسبون للإيمان وانسحابهم السلبي من الحياة. والإنسان بطبعه حين ينبهر ـ بفعل طرف ما ـ يصبح تلقائياً أكثر استعداداً للتسليم بسلامة موقف ذلك الطرف (الآخر)، لأن العقل يكاد يفقد توازنه لحظة الانبهار. ولذلك فأهل الإيمان مطالبون بإبراز مزايا اكتمال العقل بالإيمان، وترقية الإيمان بالعقل، وإبرازاً واضحاً يصمد ضد مخططات البغي والتشويش. وأهل الإيمان مطالبون ـ في هذا العصر ـ بأن يطرحوا فكراً باهراً ويقدموا علماً نافعاص مؤصلاً ومدعماً ببراهين عقلية ومطبقاً تطبيقاً حياً، لجذب الانتباه لفوائد الإيمان، وهم مطالبون بالمساهمة في صيانة عقول الناس وحمايتها من الخرافات والأباطيل والتهويمات، وتنقيتها من الشوائب وكناسات ودنس الفكر الأعمى، وتعميرها بعد ذلك بالمعارف الصحيحة المنيرة، لفتح العقول على محيط زكي نظيف ونسمات رقيقة راقية. إن الإنسان وهو يتحرك في الحياة ـ بعلمه المحدود ـ ليحتاج لنور وبوصلة توجيه، أو مؤشرات هداية، حتى لا يضل ويكتشف في نهاية المطاف وبعد فوات الأوان أن ما كان يلهث وراءه ليس إلا بريق صفيح مصقول، أو سراباً في بلقع. فالإنسان يحتاج إلى رؤية كونية، ومنظومة قيم إيمانية تميزانه عن باقي الدواب التي تدب على الأرض. وهاتان الحاجتان يستشف العقل مضمونهما من أصدق المصادر التي تتاح له أياً كان مسمياتها: التجريب العلمي، وحي السماء، وتجارب الآخرين، أحداث التاريخ، والحس الباطني، والصدق مع النفس. من كل هذه المصادر وغيرها، دون تحيز ولا تعصب ولا عناد ولا انغلاق ولا صد ولا جمود، وبشرط يقظة العقل لتمييز الخبيث من الطيب والحق من الباطل، والحكمة أبداً ضالة المؤمن.
| |
|